روائع مختارة | واحة الأسرة | قضايا ومشكلات أسرية | أبناؤنا وتويتر!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > قضايا ومشكلات أسرية > أبناؤنا وتويتر!


  أبناؤنا وتويتر!
     عدد مرات المشاهدة: 2686        عدد مرات الإرسال: 0

الأنماط الفكرية الجديدة في العالم الإفتراضي تحتاج إلى التعامل والتواصل معها بلغة جديدة، حتى لا يكبر الفرق بيننا وبين أبنائنا عندما نجدهم قد سبقونا إلى معالم فكرية لا نعرفها.

بحكم عملي فأنا دائم السفر، ومقر إقامتي شبه الدائمة هو إما الطائرة أو المكتب، وبحكم دراسة حمزة ابني الجامعية فإنه مشغول دائما ما بين دراسته وأصدقائه ورياضاته بشكل أثر على تواصلنا بالشكل الكافي.

سبقت حمزة ابني إلى عالم الـ فيسبوك وإلى تويتر، وعندما وصل حمزة إلى هذين العالمين وجدني هناك، فكنت من أول طلبات الصداقة والمتابعة التي قام بها حمزة، وكم كانت صدفة اللقاء مع حمزة ابني على هاتين الساحتين الإلكترونيتين أفضل عندي فعلا من ألف ميعاد. أجمل ما يميز لقاءنا الإلكتروني في ذلك العالم المليء بالضجيج الصامت هو تلك العفوية وعدم التكلف اللذان يلفان لقاءاتنا، فكلنا هناك نلقي بالكلمات على عواهنها كيفما إتفق دون تجميل أو تكلف، فتلتغي تلك الحواجز التي تصنعها المقامات والمناصب وتبقى آصرة التغريد بيننا هي أساس العلاقة.

من خلال التويتر وفيسبوك تعرفت على أصدقاء حمزة بشكل أقرب، وتعرف حمزة إلى معارفي ومتابعيني، وقرأت أفكاره التي يعرضها وقرأ هو بعض أفكاري وبين رأيه فيها، وهناك أيضا تبادلنا الضحكات والحكايات والنكت، وإستعرضنا معا الكثير من الصور وأرسلنا لبعضنا البعض عددا من مقاطع اليوتيوب وغيرها، هناك دون أن أدري وجدتني أعرف وجها لابني لم أكن لأعرفه لولا مساحة الحرية التي تتيحها تلك الساحة الإلكترونية، بحيث يكون الإنسان وحده ويكون مع غيره في ذات الوقت.

على الرغم من هذه الإيجابية الرائعة لهذا العالم الإفتراضي الذي نلتقي فيه دون أن نلتقي ونتبادل فيه الآراء دون أن نتحدث، ونتعارف من خلاله دون أن يعرف بعضنا بعضا، فإن هذا العالم بإنفتاحه اللامنتهي على الآخر قد أوجد أرضية خصبة للتعرف على أنماط من الفكر تثير الكثير من الجدل قد يكون بعضها مخيفا حين تتعرف عليه لأول مرة.

هذه الأنماط الفكرية الجديدة تحتاج إلى التعامل والتواصل معها بلغة جديدة، وتفهم أبعادها بالشكل اللائق حتى لا يكبر الفرق بيننا وبين أبنائنا عندما نجد أنهم قد سبقونا إلى معالم فكرية لا نعرفها نحن ولا نستطيع أن نتحاور معهم حولها، إن أبناءنا بحاجة ماسة لأن نسمع منهم ليس فقط عن إحتياجاتهم اليومية ودراستهم وطموحاتهم المستقبلية، ولكن عن نهمهم الفكري وعقلهم السابح في أرجاء الكون، لا يفصل بينهم وبين المعلومة التي يريدون إلا أجزاء من الثانية وضغطة واحدة على لوحة المفاتيح لتأتيهم المعلومة من أطراف العالم بدلا من أن يأتوها هم.

قبل أيام كنت أتحاور مع حمزة ابني حول بعض التغريدات التي تفاعلنا معها خلال الفترة الماضية والمتعلقة بتصور بعض المغردين عن خلق الإنسان، وبينما كنت أستغل سلطتي الأبوية لأنفرد بالحديث وأستعرض عضلاتي حول الموضوع، فإذا بحمزة يفاجئني بسؤاله لي عن منهجي في تحليل هذا الموضوع: هل أنت خلقوي أم تطوري؟ ثم أتبع ذلك: هل تعلم أن العلماء استطاعوا أن يصلوا مخبريا إلى صنع خلية حية من مواد غير حية؟ ثم تابع "هل تعرف ستيفن هوبكينج وهل قرأت له؟ وبدأ يتحدث عن الموضوع بشكل لافت يوحي ببحث عميق وقراءة جيدة لهذه المفاهيم وتعريفاتها، تناقشنا أكثر وأكثر فوجدته يتحدث عن الفرق في التعريف بين اللادينية واللاأدرية! ويناقشني في التدرج الطبقي لهذه التصنيفات، استمر حديثنا المنفرد قرابة الساعة ولم يقطعه علينا إلا حمزة ذاته ينبهني لصلاة العشاء.

على الرغم من معرفتي التي أدعي أنها جيدة في هذا الباب، إلا أنني كنت أسمع منه معلومات وأسماء سبقني هو إليها، وبقدر ما إستمتعت بحواري مع ابني بقدر ما شعرت أننا كمجتمع بحاجة لأن نسمع لهؤلاء الشباب وأن نحاور عقولهم النهمة الباحثة عن الحقيقة في خضم هذا البحر المعلوماتي الهائج وتضارب الآراء وتباينها حد الانفصام.

على الرغم من أن أسئلتهم تشكل تحديا كبيرا لنا ولعقولنا التي نضجت على نار أكثر هدوءا من نارهم، وتمثل في أحيان تجاوزا لخطوط حمراء من وضعنا نحن، وتمس كثيرا من المسلمات المرتبطة بالعادات والتقاليد أو الموروثات الفكرية والأيديولوجية، فإن هؤلاء الشباب بحاجة لأن نساعدهم على تجاوزالحيرة إلى الوضوح والعبور من الشك إلى اليقين، إنهم بحاجة لمن يحاور عقولهم حوار الند للند، يوضح لهم منهج التصور بدلا من أن يخطئهم على التصور، إننا حين نتصيد عباراتهم ونتعامل معها على أنها مارقة، وننهرهم عنها متهمين إياهم بأنهم جيل فاسد تشربت عقولهم أفكار الغرب وإلحاده، فإننا إنما نقوم بدور العالم الذي أتم به قاتل التسعة وتسعين نفسا المئة حين آيسه من التوبة، بهذه الطريقة نغطي النار ظانين أنها انطفأت وهي ما تزال مشتعلة في نفوسهم، إنها دعوة للحوار، دعوة لمقابلة تغاريد الطيور الحائرة بأجوبة ودليل العقول النيرة.

كم يحزنني أن ينتحر السؤال على أعتاب الفكر دون أن ينقذه العقل ببحث أو تفكر في إجابة!

بقلم: علاء ناجي.

المصدر: مركز واعي للإستشارات الإجتماعية.